فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {ويوم نبعث في كل أمةٍ شهيدًا عليهم من أنفسِهم}.
وهم الأنبياء شهداء على أممهم يوم القيامة وفي كل زمان شهيد وإن لم يكن نبيًا، وفيهم قولان:
أحدهما: أنهم أئمة الهدى الذين هم خلفاء الأنبياء.
الثاني: أنهم العلماء الذين حفظ الله بهم شرائع أنبيائه.
{وجئنا بك شهيدًا على هؤلاء} يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم شهيدًا على أمته. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {ويوم نبعث} الآية:
هذه الآية في ضمنها وعيد، والمعنى واذكر يون نبعث في كل أمة شهيدًا عليها، وهو رسولها الذي شاهد في الدنيا تكذيبها وكفرها، وإيمانها وهداها، ويجوز أن يبعث الله شهيدًا من الصالحين مع الرسل، وقد قال بعض الصحابة: إذا رأيت أحدًا على معصية فانهه فإن أطاعك وإلا كنت شهيدًا عليه يوم القيامة، {من أنفسهم} بحسب أن بعثة الرسل كذلك، في الدنيا وذلك أن الرسول الذي من نفس الأمة في اللسان والسير وفهم الأغراض والإشارات يتمكن له إفهامهم والرد على معانديهم، ولا يتمكن ذلك من غير من هو من الأمة، فلذلك لم يبعث الله قط نبيًا إلا من الأمة المبعوث إليهم، وقوله: {هؤلاء} إشارة إلى هذه الأمة و{الكتاب} القرآن، وقوله: {تبيانًا} اسم وليس بالمصدر، وهو كالنقصان، والمصادر في مثل هذا، التاء فيها مفتوحة كالترداد والتكرار، ونصب {تبيانًا} على الحال.
وقوله: {لكل شيء} أي مما يحتاج في الشرع ولابد منه في الملة كالحلال والحرام والدعاء إلى الله والتخويف من عذابه، وهذا حصر ما اقتضته عبارات المفسرين، وقال ابن مسعود: أنزل في هذا القرآن كل علم، وكل شيء قد بين لنا في القرآن، ثم تلا هذه الآية. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِّنْ أَنْفُسِهِمْ}.
وهم الأنبياء، شهداء على أممهم يوم القيامة بأنهم قد بلغوا الرسالة ودعَوْهم إلى الإيمان، في كل زمان شهيد وإن لم يكن نبيًا؛ وفيهم قولان: أحدهما أنهم أئمة الهدى الذين هم خلفاء الأنبياء.
الثاني أنهم العلماء الذين حفظ الله بهم شرائع أنبيائه.
قلت: فعلى هذا لم تكن فترة إلا وفيها من يوحّد الله؛ كقُس بن ساعدة، وزيد بن عمرو بن نُفيل الذي قال فيه النبيّ صلى الله عليه وسلم: «يُبعث أمةً وحده»، وسَطِيح، ووَرَقة بن نَوْفل الذي قال فيه النبيّ صلى الله عليه وسلم: «رأيته ينغمس في أنهار الجنة» فهؤلاء ومن كان مثلهم حجةٌ على أهل زمانهم وشهيد عليهم والله أعلم.
وقوله: {وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاء} تقدّم في البقرة والنساء.
قوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكتاب تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ} نظيره: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكتاب مِن شَيْءٍ} [الأنعام: 38]، وقد تقدّم، فلينظر هناك.
وقال مجاهد: تبيانا للحلال والحرام. اهـ.

.قال الخازن:

{ويوم نبعث في كل أمة شهيدًا عليهم}.
قال ابن عباس: يريد الأنبياء.
قال المفسرون: كل نبي شاهد على أمته وهو أعدل شاهد عليها {من أنفسهم} يعني منهم لأن كل نبي إنما بعث من قومه الذين بعث إليهم ليشهدوا عليهم وبما فعلوا من كفر وإيمان وطاعة وعصيان {وجئنا بك} يا محمد {شهيدًا على هؤلاء} يعني على قومك وأمتك وتم الكلام هنا ثم قال تبارك وتعالى: {ونزلنا عليك الكتاب} يعني القرآن {تبيانًا لكل شيء} اسم من البيان قال مجاهد: يعني لما أمر به وما نهى عنه.
وقال أهل المعاني: تبيانًا لكل شيء يعني من أمور الدين إما بالنص عليه أو بالإحالة على ما يوجب العلم به من بيان النبي صلى الله عليه سلم لأن النبي صلى الله عليه سلم بيَّن ما في القرآن من الأحكام والحدود والحلال والحرام، وجميع المأمورات والمنهيات وإجماع الأمة فهو أيضًا أصل ومفتاح لعلوم الدين {وهدى} يعني من الضلالة {ورحمة} يعني لمن آمن به وصدقه {وبشرى للمسلمين} يعني وفيه بشرى للمسلمين من الله. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَيَوْمَ نَبْعَثُ في كُلّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ}.
وفي كل أمة فيها منها حذف في السابق من أنفسهم وأثبته هنا وحذف هناك في وأثبته هنا، والمعنى في كليهما: أنه يبعث الله أنبياء الأمم فيهم منهم، والخطاب في ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم، والإشارة بهؤلاء إلى أمته.
وقال ابن عطية: ويجوز أن يبعث الله شهداء من الصالحين مع الرسل.
وقد قال بعض الصحابة: إذا رأيت أحدًا على معصية فانهه، فإنْ أطاعك وإلا كنت عليه شهيدًا يوم القيامة انتهى.
وكان الشهيد من أنفسهم، لأنه كان كذلك حين أرسل إليهم في الدنيا من أنفسهم.
وقال الأصم أبو بكر المراد الشهيد هو أنه تعالى ينطق عشرة من أجزاء الإنسان حتى تشهد عليه، لأنه قال في صفة الشهيد من أنفسهم، وهذا بعيد لمقابلته بقوله: {وجئنا بك شهيدًا على هؤلاء} فيقتضي المقابلة أنّ الشهداء على الأمم أنبياؤهم كرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ونزلنا استئناف إخبار، وليس داخلًا مع ما قبله لاختلاف الزمانين.
لما ذكر ما شرفه الله به من الشهادة على أمته، ذكر ما أنزل عليه مما فيه بيان كل شيء من أمور الدين، ليزيح بذلك علتهم فيما كلفوا، فلا حجة لهم ولا معذرة.
والظاهر أنّ تبيانًا مصدر جاء على تفعال، وإن كان باب المصادر أن يجيء على تفعال بالفتح كالترداد والتطواف، ونظير تبيان في كسر تائه تلقاء.
وقد جوّز الزجاج فتحه في غير القرآن.
وقال ابن عطية: تبيانًا اسم وليس بمصدر، وهو قول أكثر النحاة.
وروى ثعلب عن الكوفيين، والمبرد عن البصريين: أنه مصدر ولم يجئ على تفعال من المصادر إلا ضربان: تبيان وتلقاء.
قال الزمخشري: {فإن قلت}: كيف كان القرآن تبيانًا لكل شيء؟ {قلت}: المعنى أنه بين كل شيء من أمور الدين حيث كان نصًّا على بعضها وإحالة على السنة، حيث أمر فيه باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاعته.
وقيل: {وما ينطق عن الهوى} وحثًا على الإجماع في قوله: {ويتبع غير سبيل المؤمنين} وقد رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته اتباع أصحابه، والاقتداء بآثارهم في قوله: «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» وقد اجتهدوا، وقاسوا، ووطئوا طرق القياس والاجتهاد، فكانت السنة والإجماع والقياس والاجتهاد مستندة إلى تبيين الكتاب، فمن ثم كان تبيانًا لكل شيء.
وقوله: وقد رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قوله: اهتديتم، لم يقل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو حديث موضوع لا يصح بوجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الحافظ أبو محمد علي بن أحمد بن حزم في رسالته في إبطال الرأي، والقياس، والاستحسان، والتعليل، والقليد ما نصه: وهذا خبر مكذوب موضوع باطل لم يصلح قط، وذكر إسناده إلى البزار صاحب المسند قال: سألتم عما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم مما في أيدي العامة ترويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنما مثل أصحابي كمثل النجوم أو كالنجوم، بأيها اقتدوا اهتدوا.
وهذا كلام لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، رواه عبد الرحيم بن زيد العمي، عن أبيه، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وإنما أتى ضعف هذا الحديث من قبل عبد الرحيم، لأن أهل العلم سكتوا عن الرواية لحديثه.
والكلام أيضًا منكر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثبت، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يبيح الاختلاف بعده من أصحابه، هذا نص كلام البزار.
قال ابن معين: عبد الرحيم بن زيد كذاب خبيث ليس بشيء.
وقال البخاري: هو متروك، رواه أيضًا حمزة الجزري، وحمزة هذا ساقط متروك.
ونصبوا تبيانًا على الحال.
ويجوز أن يكون مفعولًا من أجله.
وللمسلمين متعلق ببشرى ومن حيث المعنى هو متعلق بهدى ورحمة. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَيَوْمَ نَبْعَثُ}.
تكريرٌ لما سبق تثنيةً للتهديد {فِى كُلّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ} أي نبيًا {مّنْ أَنفُسِهِمْ} من جنسهم قطعًا لمعذرتهم وفي قوله تعالى: {عَلَيْهِمْ} إشعارٌ بأن شهادةَ أنبيائِهم على الأمم تكون بمحضر منهم {وَجِئْنَا بِكَ} إيثارُ لفظ المجيء على البعث لكمال العنايةِ بشأنه عليه السلام، وصيغةُ الماضي للدِلالة على تحقق الوقوع {شَهِيدًا على هَؤُلاء} الأممِ وشهدائِهم كقوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاء شَهِيدًا} وقيل: على أمتك والعاملُ في الظرف محذوفٌ كما مر والمراد يوم القيامة {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكتاب} الكاملَ في الكتابية الحقيقَ بأن يُخَص باسم الجنس، وهو إما استئنافٌ أو حال بتقدير قد {تِبْيَانًا} بيانًا بليغًا {لّكُلّ شَىْء} يتعلق بأمور الدين، ومن جملة ذلك أحوالُ الأممِ مع أنبيائهم عليهم السلام فيكون كالدليل على كونه عليه السلام شهيدًا عليهم وكذا من جملته ما أخبر به هذه الآيةُ الكريمة من بعث الشهداء وبعثِه عليه السلام شهيدًا عليهم عليهم الصلاة والسلام، والتبيانُ كالتِلقاء في كسر أوله، وكونُه تبيانًا لكل شيء من أمور الدين باعتبار أن فيه نصًّا على بعضها وإحالةً لبعضها على السنة حيث أُمر باتباع النبي عليه السلام وطاعته، وقيل فيه: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى} وحثًّا على الإجماع وقد رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته باتباع أصحابه حيث قال: «أصحابي كالنّجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» وقد اجتهدوا وقاموا ووطّأوا طرقَ الاجتهاد فكانت السنة والإجماعُ والقياسُ مستندةً إلى تبيان الكتاب ولم يضُرَّ ما في البعض من الخفاء في كونه تبيانًا فإن المبالغةَ باعتبار الكمية دون الكيفية كما قيل في قوله تعالى: {وَمَا أَنَاْ بظلام لّلْعَبِيدِ} إنه من قولك: فلان ظالم لعبده وظلام لعبيده ومنه قوله سبحانه: {وَمَا للظالمين مِنْ أَنصَارٍ} {وَهُدًى وَرَحْمَةٌ} للعالمين فإن حرمانَ الكفرة من مغانم آثارِه من تفريطهم لا من جهة الكتاب {وبشرى لِلْمُسْلِمِينَ} خاصة أو يكون كلُّ ذلك خاصًا بهم لأنهم المنتفِعون بذلك. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَيَوْمَ نَبْعَثُ في كُلّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ}.
وهو كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما نبيهم الذي بعث فيهم في الدنيا، ومعنى كونه {مّنْ أَنفُسِهِمْ} أنه منهم، وذلك ليكون أقطع للمعذرة، ولا يرد لوط عليه السلام فإنه لما تأهل فيهم وسكن معهم عد منهم أيضًا، وقال ابن عطية: يجوز أن يبعث الله تعالى شهداء من الصالحين مع الأنبياء عليهم السلام، وقد قال بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم: إذا رأيت أحدًا على معصية فانهه فإن أطاعك وإلا كنت شهيدًا عليه يوم القيامة، وذكر الإمام في الآية قولين الأول أن كل نبي شاهد على قومه كما تقدم، والثاني إن كل قرن وجمع يحصل في الدنيا فلابد أن يحصل فيهم من يكون شهيدًا عليهم ولابد أن لا يكون جائز الخطأ وإلا لاحتاج إلى آخر وهكذا فيلزم التسلسل، ووجود الشهيد كذلك في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ظاهر وأما بعده فلابد في كل عصر من أقوام تقوم الحجة بقولهم وهم قائمون مقام الشهيد المعصوم، ثم قال: وهذا يقتضي أن يكون إجماع الأمة حجة انتهى، وإلى أنه لابد في كل عصر ممن يكون قوله حجة على أهل عصره ذهب الجبائي وأكثر المعتزلة، قال الطبرسي في مجمع البيان: ومذهبهم يوافق مذهب أصحابنا يعني الشيعة وإن خالفه في أن ذلك الحجة من هو.
وأنت تعلم أن الاستدلال بالآية على هذا المطلب ضعيف، وتحقيق الكلام في ذلك يطلب من محله.
وقال الأصم: المراد بالشهيد أجزاء من الإنسان، وذلك أنه تعالى ينطق عشرة أجزاء منه وهي الأذنان والعينان والرجلان واليدان والجلد واللسان فتشهد عليه لأنه سبحانه قال في صفة الشهيد من أنفسهم.
وتعقبه القاضي وغيره بأن كونه شهيدًا على الأمة يقتضي أن يكون غيرهم، وأيضًا قوله تعالى: {مِن كُلّ أمَّةٍ} يأبى ذلك إذ لا يصح وصف آحاد الأعضاء بأنها من الأمة؛ وأيضًا مقابلة ذلك بقوله سبحانه: {وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا على هَؤُلاء} يبعد ما ذكر كما لا يخفى، والمراد بهؤلاء أمته صلى الله عليه وسلم عند أكثر المفسرين، ولم يستبعد أن يكون المراد بهم ما يشمل الحاضرين وقت النزول وغيرهم إلى يوم القيامة فإن أعمال أمته عليه الصلاة والسلام تعرض عليه بعد موته.
فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم ومماتي خير لكم تعرض علي أعمالكم فما رأيت من خير حمدت الله تعالى عليه وما رأيت من شر استغفرت الله تعالى لكم» بل جاء أن أعمال العبد تعرض على أقاربه من الموتى، فقد أخرج ابن أبي الدنيا عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تفضحوا أمواتكم بسيئات أعمالكم فإنها تعرض على أوليائكم من أهل القبور».
وأخرج أحمد عن أنس مرفوعًا: «إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات فإن كان خيرًا استبشروا وإن كان غير ذلك قالوا: اللهم لا تمتعهم حتى تهديدهم كما هديتنا».
وأخرجه أبو داود من حديث جابر بزيادة «وألهمهم أن يعملوا بطاعتك».
وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي الدرداء أنه قال: «إن أعمالكم تعرض على موتاكم فيسرون ويساؤن» فكان أبو الدرداء يقول عند ذلك: اللهم إني أعوذ بك أن يمقتني خالي عبد الله بن رواحة إذا لقيته يقول ذلك في سجوده.
والنبي صلى الله عليه وسلم لأمته بمنزلة الوالد بل أولى، ولم أقف على عرض أعمال الأمم السابقة على أنبيائهم بعد الموت ولم أر من تعرض لذلك لا نفيًا ولا إثباتًا، فإن قيل: إنها تعرض فأمر الشهادة مما لا غبار عليه في نبي لم يبعث في أمته بعد خلوهم عنه نبي آخر، وإن قيل: إنها لا تعرض احتاج أمر الشهادة إلى الفحص عن وجود أمر يفيد العلم المصحح لها أو التزام أن الشهيد ليس هو النبي وحده كما سمعت فيما سبق، ثم إن حديث العرض على نبينا عليه الصلاة والسلام يشكل عليه حديث: «ليذادن عن الحوض أقوام» الخبر، وقد ذكر ذلك المناوي ولم يجب عنه، وقد أجبت عنه في بعض تعليقاتي فتأمل، وقيل: المراد بهم شهداء الأمم وهم الأنبياء عليهم السلام لعلمه عليه الصلاة والسلام بعقائدهم واستجماع شرعه لقواعدهم لا الأمة لأن كونه صلى الله عليه وسلم شهيدًا على أمته علم مما تقدم فالآية مسوقة لشهادته عليه الصلاة والسلام على الأنبياء صلى الله عليه وسلم فتخلو عن التكرار.
ورد بأن المراد بشهادته عليه الصلاة والسلام على أمته تزكيته وتعديله لهم بعد أن يشهدوا على تبليغ الأنبياء عليهم السلام حسبما علموه من كتابهم وهذا لم يعلم مما مر ليكون تكرارًا وهو الوارد في الحديث، وقد ذكره غير واحد في تفسيره قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى الناس وَيَكُونَ الرسول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]، و{على} لا مضرة فيها وإن ضرت فالضرر مشترك.